الخميس، 21 يوليو 2016

إيقاعات ملونة .. "هم قتلوا دوريان جراي "












" هم قتلوا دوريان جراي " 


..فجأةً خلعَ القرن التاسع عشر رداء الحشمة وتدثر بثياب زاهية ملونة ,فبعد قرون من الصرامة والتقاليد الموروثة وجد الأنكليز إن الثلج الذي تدثر به أجدادهم بدأ يذوب من حولهم ,وإن العصر الفكتوري بدأ يتزحزح ويتراجع أمام قلم كاتب 
..ساخر ..لاذع ..طريف .
إنه أوسكار وايلد 
لم يكن أوسكار وايلد إشتراكيا يريد أن يهدِّ بقبضته جدار النبلاء الصلد , ولا برجوازياً إستمد قوته من جيب هذه الطبقة ليدقّ بها أبواب رجال الأقطاع. 
..لم يكن أوسكار وايلد شيئا صاخباً ,مشاغباً ومثيراً للمشاكل ,إنما كان مجرد مرأة صغيرة ,عاكسة .
وكما يقول هو دائماً : أنني أبحث عن الجمال وأينما أجده سأخبركم عنه .
ويبدو إن لعبة الألفاظ هي التي سحرت الأنكليز وجعلتهم يتململون في أماكنهم فيتكسّر الثلج من حولهم  . 
لقد كان يمتلك "قدرة" سحرية طاغية في صياغاته وجملهِ القصيرة , حتى إن الناس كانوا يتناقلونها ويحشرونها حشراً في رسائلهم وفي محادثاتهم اليومية 
, وقد كتب أحد النقاد الأنكليز يزن  منزلته ومكانته بينهم مايلي :
" إن من عاش بلندن في القرن التاسع عشر ولم يسمع أوسكار وايلد يتكلم كمن عاش في اليونان في عهد بريكليس ولم يرّ البارثيون "

..وتحوّلَ الكاتب الوسيم الى تحفة فنية حيّة تعرض كل ليلة في صالونات الأغنياء , 
وراح هؤلاء يتنافسون في دعوته وإقامة الولائم له وعلى شرفه , حتى كانت بطاقات الدعوة تتضمن إشارة الى أن "أوسكار وايلد" سيتصدر المائدة في هذه الدعوة .
..وهكذا أنزلقت قدمه من دون أن يدري , وذهب به الوهم والغرور كل مذهب ,
فظن أن لندن كلها تدير راسها لكي تتطلع اليه وإنها تشفع لفتاها المدلل الطائش 
أن يفعل ما يحلو له وما تشتهي نفسه , فأطلق العنان لمذهبه الجديد ولروحه النهمة الخام , وما أن وقع في أول شرك حتى ظهر الصيادون من كل صوب وتحولت تعابيره الساحرة وأقواله التي حفظها الناس الى إعترافات وإدانة 
وحينما مضوا به الى السجن لم يجد بين مئات الألاف من العشاق والمحبين واحداً يلتفت اليه ويرفع كفّه بالتحية 
لقد فضلّت لندن أن تتدثر بالثلج ثانيةً وتعود الى قبعاتها السود العريضة , 
ومحت من ذاكرتها ذلك المرح والظرف الذي أشاعه "أوسكار وايلد" في مفاصلها بعض الوقت .

وفضّل هو أن يعلن رأيه الجديد ويشير الى من قتل "دوريان جراي " حين 
قال: "إن الحب رحب الصدر فهو يغفر كل شيء إلا النبوغ ".

فلماذا قتلت "لندن" دوريان جراي وهي التي وضعته في إطاره المُذهب 
وراحت تعرضه كل ليلة في قصورها ومتاحفها وصالوناتها ؟
ولماذا لم يكتشف دوريان جراي بنفسه إن هذه المدينة التي تتزيّن به ويشيع 
في مفاصلها الدفء لحديثه وظرفه تخفي سكينها تحت الثلج بإنتظار اللحظة المناسبة ؟

..لقد كشف أوسكار وايلد تلك الجريمة قبل وقوعها بزمن ولكن أحداً من النقاد لم يشر 
لذلك , إنه إعتراف غريب وغامض تجده مفصلاً في رواية الكاتب الشهيرة 
"صورة دوريان جراي"
..فهل كان "أوسكار وايلد " يعرف كيف سيموت ؟؟ أم إنها مجرد 
فكرة خاطفة خطرت على باله ذات يوم .










للأمانة الأدبية 
الجمع والحفظ والكتابة بواسطة 
باسمة السعيدي 
21/يوليو/2016





















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق