الأربعاء، 13 يوليو 2016

#حوار مجلة الف باء ..محمد شمسي : أنا لست صغيراً والأخرون ليسوا عمالقة ..








___________________________________________________

محمد شمسي :

*أنا لستُ صغيراً والأخرون ليسوا عمالقة 


* فررتُ من الشعر لأن الشعراء لم يصلوا الى القاريء 


*في المعارض العراقية يدعون أقل الناشرين العرب شأناً ولا يدعون ناشراً عراقياً !

__________________________________________________



..محمد شمسي كاتب لم يقف على أرض صُلبة ,قضى كل حياته الأدبية وهو يدور 
يبحث عن بقعة لم يشغلها أحد سواه ,لقد جرب كل فنون الكتابة ورمى نفسه بين الأمواج ولكنه في كل مرة كان يخرج دون أن يصيبه البلل .. 

ظل يقفز من مكان الى أخر وكأنه لاعب سيرك , فقد بدأ في الستينات شاعراً فأصدر ديوانين ثم جرفته الصحافة فتنقل من واحدة الى الأخرى وكتب في أدب الرحلات فأصدرَ كتابه الشهير الذي طبع ثلاث مرات "الف ميل بين الغابات " وبعده "أرض ساخنة" ثم جربَ حظه في الرواية فأصدرَ "كوميديا الزواحف" وقد دفعه طيشه هذا الى الدخول في عالم الأطفال فظن إنه قد وجدَ أصدقاءه الحقيقيين فراح يحاور الأرانب والقطط والثعابين 
وكأنه لم يتجاوز العاشرة بعد !

كتبَ عدداً من الروايات للأطفال وعشرات السيناريوهات ,وكنتُ حين ألتقيهِ أتصورهُ كأنه إحدى شخصيات الكارتون الطريفة ..روح خام هلامية لم تتشكل بعد ,تحتاج الى عشرين سنة أخرى لتأخذ أبعادها الحقيقية وتتصلب .

..وبعد أن فرَّ من عالم الكبار فجأة ضاق ذرعا بعالم الصغار ,فألى أين سيتجه هذه المرة ؟
ولكن محمد شمسي لم تعوزه الحيلة ولم يتعب مخه كثيراً بالبحث ,فها هو يقتطع ثلاث سنوات من الطفولة وثلاث سنوات من "الرجولة " ويضع له عالما جديدا إنه "عالم الفتيان" كما يسميه . وبدأ يخترع رواياته الجميلة متوغلاً في التأريخ وفي الأساطير وفي الأدغال مُنقباً في مناجمها وكهوفها عن حكايات طريفة لم يسبقه أحد اليها .

..وكتب روايتهُ الأولى "لصوص البحر"التي فازت عام 1981 كأفضل رواية عربية للفتيان .ثم تبعها برواياتهِ "السفينة الغامضة " و" كمين في الأدغال " و" القرصان " و
"فارس الليل" و"الهجوم الخاطف "و"البطل الصغير" 
(وقد إختارت السينما والمسرح هاتين الروايتين للسينما أخيراً )


..الى هذه اللحظة وكل شيء يمضي بسلام ولكنه فجأة أوقف فرامله وراح يدير عربته بإتجاه أخر .
لقد تخلى عن الكتابة هذه المرة وأخذ يعالج النشر وراح يبشر بأنه سيكون ناشراً كبيراً ,وقلنا : أخيراً عثرنا على ناشر لن يبتلع أصدقاءه الكتّاب والمؤلفين بعد الأن لإنه ببساطة كاتب مثلهم .
..ولكن محمد شمسي خيّبَ ظننا فيهِ ومثلما كانَ بارعاً في فنون الكتابة صارَ بارعاً في دروب النشر ودهاليزه الضيقة .وصار الخوف منه مُضاعفاً فهو يعرف _كما يُقال _
من أينَ تؤكل الكتف ,وكيف يُطاح برؤوس أصحابه الحالمين الوادعين المعتمدين على الله وعليهِ .
وحينَ إلتقيته أخر مرة لم أكن بحاجة الى أن أشهر بوجههِ السلاح ,فأنا وإياه منذ زمان نمارس حرب عصابات طاحنة , وكل كلمة أطلقها عليهِ ترتد الى صدري مندفعة قوية .

ولكن هذه المرة قلت له بصراحة : 

_أنتَ لاشيء ...الشعر وقد غادرتهُ منذ عشرين عاماً ,أدب الرحلات وقد صارت رحلتكَ الوحيدة "من البيت الى الدائرة ومن الدائرة الى البيت "..الرواية ,بيضة ديك لاتنكسر ,
السيرة ,مضت مع سفر عبد الوهاب البياتي الى مدريد ,
الأطفال كبروا ولم تعد تعرفهم ,الفتيان ..خلفتهم وراءك في المحطة حين هربت في قطار النشر ,وأخيراً النشر ..وها أنتَ ذا تبكي عليهِ بعد أن دفنتهُ مع أخر كتاب مكدّس في زاوية من زوايا البيت؟ فماذا تقول ؟ 

_سأقول ما قاله ناظم حكمة قبل نصف قرن :
"مهلاً يا أخي فنحن لنا أيضاً كلمة نود أن نقولها "

..ولأن الذي تحمله في حقيبتكَ الصحفية هذه أدوات جارحة وراضة وقاطعة فأنني لن أهنئكَ على جرأتكَ , ولكني سأقول ببساطة أن كل الذي تراه خللاً وعيباً وضعفاً وأسمعهُ من أخرين في وسطنا الأدبي أراه عكس ذلك تماماً , فمن علّمكَ أن على الكاتب أن يظلَ مقيماً تحت خيمة واحدة لايغادرها الى سواها ؟

_ومن أعطاكم الحق في حجرهِ ووضعهِ تحت الإقامة الجبرية في منطقة واحدة من مناطق الكتابة ؟

..نعم كتبت الشعر وفررتَ منه لأنني لم أستطع أن أميزَ نفسي عن طاقم الشعراء الذين تعج بهم مدننا وقرانا كلها . إن عشرة آلاف شاعر ممن أرى لم يستطيعوا أن يتسلقوا 
السور ليصلوا الى القاريء . فلماذا أعبث مع هذه الكثرة منهم ؟
وهذا مايفسر بعد ذلك بحثي اليائس والمستمر عن أنماط جديدة في الكتابة ..أنني أبحث عن قاريء ,فإذا لم أجد القاريء فلماذا أكتب وأكلف نفسي بطبع ما أكتب ..
الأفضل لي أن أكف وأبحث عن عمل أخر التقي بواسطته مع الناس , وفعلاً سأترك كل شيء حين أعجز وأتأكد من أن كتبي تتكدس في المكتبات ولا أحد يعيرها شأناً .


*هناكَ من يدعي إن الذي يطبع على نفقتهِ الخاصة كاتب فاشل ؟
_إنني أرثي لهؤلاء الذين لا يهمهم إن كانَ هناك من يتابعهم ويقرأ مايكتبون أم لا ؟ 







_________________

للأمانة الأدبية
تم النشر والحفظ بواسطة 
باسمة السعيدي 
13/يوليو/2016 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق