الأربعاء، 13 يوليو 2016

عذراً ..أيها الغائب الحاضر ..!! باسمة السعيدي 2014










محمد شمسي الحاضر في القلوب والغائب عن عالم الدنيا ..
ثمانية عشر عاماً من الوداع والرثاء لن تكفيكَ ولن تفيكَ حقكَ أيها الرّحال المُتنقل بين أدغال القلوب وشتات العقول ..!
نعم لكَ في قلوب المحبين غابات كثيفة من المشاعر التي لن تُروى إلا بمعانقتنا لكَ وتقبيلنا ما بين عينيكَ ..!
ثمانية عشر عاماً من الأنين والحنين لروحكَ النقية التي غلبت عليها الطيبة الجنوبية ولملامحكَ الميسانية السمراء عذوبةً تتراقص في غصةِ الفراق ..
أبا سيف...!! كيف بنا نؤبن هذا التأريخ الضال بعد رحيلك؟ ..! وكيف بنا تركُ ذكراك في عمق الأرض ودهاليز النجف الأشرف ..؟؟
...
...في صباحات يوم الجمعة البغدادية أكون في ضيافة شارع المتنبي ..يستوقفني هذا المكان للوعةٍ في نفسي وغصةً في قلب كل محبيّ محمد شمسي ..يطول إنتظاري وأنا 
أقف على أبواب "مقهى الشابندر" مقهى الشهداء بكل شغف لأحاكي روحكَ التي كانت ترتادها طيلة رحلتكَ مع عالمكَ الكبير الذي طالما حبستَ نفسكَ وأنفاسكَ بين جدران ذاكرتهِ في الكتابة والشعر والأدب والفصاحة ..! 
لم تَزل رائداً من روادها بالرغم من مرور كل تلك الأعوام الطِوال لكن أرجاء المقهى تشتاق لعِناقكَ ومجالستكَ لكل ركنٍ أدمنتَ التفرد بهِ ..! أقف عن بُعدٍ لأستمتعَ بقهقهات وضحكات تعلو مُحياكَ الباسم و
ثغركَ الجميل ..! 

كنتَ ولازالت روحكَ عالقةً في أرجاء المكان المُطلِ على ساحل دجلة الحبيب..
إستوقفتني اليوم روحهُ الطاهرة مُعاتبةً وأنا أحمل حقيبتي لأستعجل لقاء راهب الكهف الأدبي ..!! 
قال لي محمد شمسي: غداً ذكرى الرحيل !! 
وأيُّ رحيلٍ أيها الحبيب ولأي رجل !! لم يولد مثلك أثنين !! فكنتَ متفرداً بتحليقكَ في سماء ميسان وبغداد ونيجيريا والهند وعمان ودبي ولبنان ..فأنتَ الطائر الأسطورة الذي 
ولِدَ من رحم مدينتهِ الجنوبية ذات الجدائل العطشى لِعناق الهور والبردي والمشحوف وكأنكَ طائر الفينيق في عشقكَ للحياة ونبذ الموت ..!

..حالفني الحظ أن التقي صديقاً لشمسي يعزف على أوتار قلبي أجمل معزوفةً.. فتقاسمنا الذكريات ..شطراً لهُ ..وآخر لي ..!
..كنتُ أبحثُ عن مجموعة من كتاباتهِ في مكتبات شارع المتنبي وأنا في دوامة السؤال والبحث وإذا براهبٍ كريم يعطف على شخصي ويأخذ بيدي الى ملاذٍ آمن لبحثي ..!
 فمنذ جُمعتين ونحن كخلية النحل  نعمل ونبحث بصمت عن تأريخ الراحل شمسي ..أمسكتُ قرطاساً وقلماً لأكتب مايمليهِ عليَّ راهب المطبعة وصديق محمد شمسي لأيامٍ 
خِلتُها إنتهت في عالمنا الأرضي ..!! لكنها حرارة تتوقد في نفوس مُحبيهِ ..





تشاطرنا الدمع في بعض المواقف والبسمة في مواقفٍ أخرى في بحثنا الصغير عن فقيد" آل المطلبي" ..
..إستذكرنا الماضي بلوعةٍ وآسى !! 
وكتبنا عن الحاضر بعد أن سرق منا الزمان التواصل مع من عشقتهم الروح فذابت في ثنايا أسمائهم
دموعاً وحزناً ووداع ..!!
أحببناهم وإنصهرنا في بوتقة مشاعرنا لهم ..!! لكننا لم نفيّهم حقهم ماحيينا من الأعوام والقرون
الغائب الحاضر ..!!
ذلك الطوفان من الكلمات و الذي كتب عن طوفان الشمس أروع كتاباته 
صاحب الألف ميل بين غابات أفريقيا ..!!
وصحارى نيجيريا ...وأدغال القارة السوداء ..
ذاب في عشق الرحلات فكتب فيها كل ما يتملكنا من الرغبة بين التوقف والتآمل والتسمّر بين أسطر كتاباته .. بدءاً من الكلمة الأولى في الإهداء وحتى نهاية الخاتمة ...!!
لم نكن نعّي مفهوم الرحالة ...!!
ولم نتخيل يوماً من الأيام بأننا سنلتقي رحالاً غير إبن بطوطة وماجلان والسندباد ..!!
فكان سندباد ميسان في أرض نيجيريا ...
لم يُصدق الخيال أن ميسان الصغيرة تشاطر نيجيريا بمحمد شمسي ..
نعم فقد إتفقت القارة السوداء مع أهوار العمارة بذلك العاشق للرحلات والترحال والغربة والتغرب فنثر أجمل كلماتهِ في لصوص البحر
لم نسمع يوماً بأن للزواحف كوميديا الا من خلال كتابات محمد شمسي الرجل الأسطوري..
وهو يتجول مع السحرة والثعابين ليتقن لغتهم وبكل جدارة ويراوغ أجراس الثعبان في عمق القارة الهندية .

لقد كان يتمتع بروح الدُعابةِ والمرح والسلام فكان على حد قول الدكتور نجم عبد الله كاظم أنه رائد رواية الفتيان في العراق ..
أيها الحاضر الغائب ..!! ماذا أكتب وماذا أُسطّر في شخصكَ المبجل ؟؟
لأول مرة أشعر بخذلان قلمي لي.. وإنكساره في حضرة ذكراك..!! ماعسانا فاعلين بغيابكَ أيها الكبير ؟؟..
ضاعت الكلمات وأصبحت الحروف أسيرة الإنكسار ونحن في حضرة محمد شمسي ..
الأب والخال والصديق والحبيب فكانت بداية التأبين تنطلق من مكتب الأستاذ الكبير وراهب الكهف الأدبي علي هادي  لإنهُ كان يُنعي محمد شمسي بطريقةٍ خاصة جداً لا يمكنني 
ذكرها الأن لإنها طالت كل الأعوام الثمانية عشر في الغياب ..

..لقد كان سرد الأستاذ هادي يُشبه كثيراً طريقة وأسلوب الأديب الرائع محمد شمسي الباحث عن الإنسانية في أرض العراق بعد أن وجدها في كل العواصم التي زارها وتنقل بدراجتهِ البخارية على أراضيها ..! !!


فأنا أقولها ومن منبري المتواضع لقد ولدَ محمد شمسي مرةً أخرى في شارع المتنبي 
..طوبى لكَ يا أبا سيف رحلتكَ الأبدية 



لم أتوقع يوماً أن يُنجب تأريخ أدب الرحلات رجلاً غيركَ مذ توقف النبض في 26/ أبريل /1996 .

أنا لله وأنا اليه راجعون ..









باسمة السعيدي 
26/ أبريل /2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق